ادب الاختلاف ( الخلاف ) - الجزء الثاني

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

عرفنا في الجزء الاول من موضوع ادب الحوار مفاهيم قد يعرفها البعض لأول مرة بهذا الشكل او قد يعرفها البعض وقد نساها مع الزمن او قد يعرفها البعض ويصر على فعل العكس منها مكابرة منه بسبب المستوى الثقافي الذي وصل اليه مثلا ,,, كل شيء جائز
واحيانا نسأل انفسنا لماذا كل هذه الاختلافات والنقاشات تحدث لدي البشر ولماذا لا يكونون على رأي واحد , وللجواب على هذه الاسئلة

لابد ان نقرأ هذه الآية الكريمة في سورة هود

وَلَوۡ شَآءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ ٱلنَّاسَ أُمَّةً۬ وَٲحِدَةً۬‌ۖ وَلَا يَزَالُونَ مُخۡتَلِفِينَ (١١٨) إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ‌ۚ وَلِذَٲلِكَ خَلَقَهُمۡ‌ۗ وَتَمَّتۡ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمۡلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلۡجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجۡمَعِينَ (١١٩

اختلاف بين البشر هو أصل ثابت منذ ان خلق الله تعالى الخلق وهو طبيعي حتى يعمر الانسان هذه الارض و يبنيها بأشكال مختلفة , وايضا حتى يبتكر الانسان طرق العيش ويبتكر في تفكيره من خلال علمه وعمله

*** الاختلاف في عصر البعثة النبوية الشريفة بين الصحابة ***

ولا نريد ان نذكر تاريخ الاختلاف لان ذلك يحتاج الى كتابة كتب ومجلدات , وما يهمنا ان نعرفه هو ان عصر البعثة النبوية الشريفة كان هناك اختلاف بين الصحابة والرسول صلى الله عليه وسلم بينهم والذي يميز هذا العصر ان المرجع الاساسي لأي اختلاف بعد القرآن هو نبينا الكريم الذي يكون متواجد بينهم لحل اي اشكال لاي مسألة ومن الامثلة على ذلك :

اولا *

ما أخرجه البخاري ومسلم ان النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم الاحزاب : ( لا يصلين أحد العصر الا في بني قريظة ) فأدرك بعضهم العصر في الطريق , فقال بعضهم : لا نصلي حتى نأتيها , أي : ديار بني قريظة .
وقال بعضهم بل نصلي , لم يرد منا ذلك . فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فلم يعنف واحد منهم .

ونستدل من ذلك ان الصحابة رضوان الله عليهم انقسموا الى قسمين , قسم أخذ بظاهر اللفظ , اما الفريق الآخر استنبط من النص معنى خصصه به ,وتصويب رسول الله صلى الله عليه وسلم للفريقين دليل على مشروعية كل من الفريقين او لنقول المذهبين .

ثانيا *

ومن امثلته كذلك ما اخرجه أبوداود والحاكم من حديث عمر بن العاص رضي الله عنه , قال : ( احتلمت في ليلة باردة في غزوة ذات السلاسل فأشفقت ان اغتسلت ان اهلك , فتيممت ثم صليت بأصحابي الصبح ) فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : ( يا عمرو صليت بأصحابك وانت جنب ؟ ) فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال وقلت اني سمعت الله يقول : ( ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما ) النساء آية 29 , فضحك الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئا

*** الاختلاف بين الصحابة رضي الله عنهم أجمعين بعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم ***

اولا *

الاختلاف بين الشيخين ابوبكر الصديق وبين عمر بن الخطاب رضي الله عنهم

عندما ارتدت اغلب القبائل العربية عن الاسلام بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم و قالت بعض القبائل انها سوف تمتنع عن دفع الزكاة لولي أمر المسلمين كان هناك خلاف في الرأي بين ابوبكر وعمر رضي الله عنهم , يقول ابو هريرة : لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان ابوبكر رضي الله عنه وكفر من كفر من العرب , فقال عمر : فكيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله . فمن قالها فقد عصم مني ماله ونفسه الا بحقها وحسابه على الله تعالى ) ؟ فقال ابوبكر : والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة , فإن الزكاة حق المال , والله لو منعوني عناقا كانوا يؤدونها لرسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلهم على منعها . قال عمر : فوالله ما هو الا ان قد شرح الله صدر ابي بكر رضي الله عنه للقتال فعرفت انه على الحق )

ايضا اختلف الشيخان على سبي أهل الردة فقد كان ابوبكر يرى سبي نساء المرتدين على عكس ما يراه عمر الذي نقض ( في خلافته ) حكم ابي بكر في هذه المسألة , وردهن الى اهليهم حرائر الا من ولدت لسيدها منهن , ومن جملتهن كانت خولة بنت جعفر الحنفية ام محمد بنت علي رضي الله عنهما

كما اختلفا في قسمة الاراضي المفتوحة : فكان ابوبكر يرى قسمتها وكان عمر يرى وقفها ولم يقسمها

وعلى كل هذا الخلاف الذي ذكرناه والخلاف الذي لم نذكره , ما زاد كلا منهما في أخيه الا حبا , فأبوبكر حين استخلف

عمر قال له بعض المسلمين : ( ما انت قائل لربك اذا سألك عن استحلافك عمر علينا وقد ترى من غلظته ؟ قال : اقول : اللهم اني استخلفت عليهم خير اهلك )

وحين قال احدهم لعمر رضي الله عنه : ( انت خير من ابي بكر , اجهش بالبكاء وقال : والله لليلة من ابي بكر خير من عمر و آل عمر )
تلك نماذج من الاختلافات بين الشيخين , اختلفت الآراء وما اختلفت القلوب

ثانيا *

الاختلاف بين عمر وعلي رضي الله عنهم

كان بين عمر وعلي رضي الله عنهم بعض الاختلافات , ولكن في نطاق أدب رفيع , فقد ارسل عمر رضي الله عنه مرة الى امرأة مغيبة ( زوجها غائب ) كان يدخل عليها رجل غريب فأنكر ذلك , فأرسل إليها , فقيل لها أجيبي عمر , فقالت : يا ويلاه مالها ولعمر ؟ فبينما هي في الطرق اليه فزعت فضربها الطلق , فدخلت دارا فألقت ولدها , فصاح الصبي صيحتين ثم مات , فاستشار عمر صحابة النبي صلى الله عليه وسلم فأشار عليه بعضهم : أنه ليس عليك شيء , إنما أنت وال مؤدب , وصمت علي رضي الله عنه , فأقبل عليه عمر وقال : ما تقول ؟ قال : ان كانوا قالوا برأيهم فقد أخطأ رأيهم , وان كانوا قالوا في هواك فلم ينصحوا لك , أرى ان ديته عليك فإنك انت افزعتها , و ألقت ولدها بسببك , فأمر عمر ان يقسم عقله ( دية الصبي ) على قومه .
وهكذا نزل عمر على رأي علي رضي الله عنهما ولم يجد غضاضة في العمل باجتهاده وهو امير المؤمنين وقد كان في رأي غيره منجاة

الى هنا انتهى الجزء الثاني من هذه السلسلة و ان شاء الله سوف نكمل موضوع ادب الحوار الجزء الثالث والاخير

وسوف نتناول فيه اختلاف العلماء سواء كانوا من التابعين او من بعدهم وكيف كان اختلاف العلماء من مدرسة الأثر و علماء مدرسة الرأي وعلى كل ذلك يضلون يحبون بعضهم البعض وقلوبهم مجتمعة على رفعة هذا الدين من خلال التأدب في الحوار , وليس كما نراه اليوم من تناحر و شقاق للفوز بالمنصب او بالمال وسوف نضرب امثلة على ذلك في الجزء الأخير

اشوفكم على خير ان شاء الله

ولكم مني كل تحية واحترام